صحافة الجزائر.. مسيرة شائكة بين حقبتي الاستعمار الفرنسي والتوترات السياسية
صحافة الجزائر.. مسيرة شائكة بين حقبتي الاستعمار الفرنسي والتوترات السياسية
من حقبة الاستعمار الفرنسي إلى حقبة الاستبداد السياسي، مضت الصحافة الجزائرية على جسر من التحولات السياسية والفكرية غير المسبوقة في العالم العربي.
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو من كل عام، لتسليط الضوء على التحديات المتصلة بوسائل الإعلام والتهديدات التي تقوض ثقة الجمهور نتيجة الرقابة والهجمات على الصحفيين.
وتسيطر الدولة على محطات التلفزيون والراديو، وتتمتع تلك الوسائل بشعبية واسعة ومشاهدة عالية، فيما توجد صحف خاصة نشطة تصدر بثلاث لغات وهي العربية، والفرنسية والأمازيغية.
ويقر القانون الجزائري أحكاما بالسجن والغرامات إذا ما تمت إهانة الرئيس أو التشهير به أو بأعضاء البرلمان أو القضاة أو الجيش، ما يثير الانتقادات المحلية والدولية بشأن استخدام القوانين لترهيب الصحافة.
ويقول مراقبون إن الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر (1999-2019) كان يطبق على أنفاس الصحفيين، وبعد رحيله شهد الوضع تحسنا نسبيا.
وشهدت الجزائر اضطرابات سياسية عقب إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية أخرى، لتنطلق احتجاجات شعبية عارمة في فبراير 2019 سميت في ما بعد بـ"الحراك الشعبي".
وعقب تولي الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون مقاليد الحكم عام 2019، لم تتغير تركيبة النظام السياسي فيما لا يزال الحراك يكافح من مواجهة الفساد والمحسوبية، بحسب المراقبين.
وكشفت تقارير حقوقية دولية عن وجود عدد من الصحفيين الجزائريين بالسجون في قضايا رأي، إذ كان حبس الصحفي إحسان القاضي، منذ نهاية العام الماضي بتهمة "الدعاية لأحزاب أجنبية وجمع تبرعات بطرق غير شرعية من أشخاص ومنظمات داخل وخارج البلاد" بمثابة ناقوس الخطر حيال أوضاع الصحافة في البلد العربي.
رقابة ذاتية
بدورها، قالت الصحفية الجزائرية سعيدة بلخيري، إن المناخ السياسي في بلادها لم يختلف كثيرا عقب إسقاط نظام الرئيس الراحل بوتفليقة قبل 4 سنوات.
وأوضحت بلخيري في تصريح لـ"جسور بوست" أن الصحفيين الجزائريين لا يزالون يخشون الخوض في القضايا المصيرية للبلاد، حتى لا يتعرضوا للملاحقة أو الاحتجاز.
وأضافت: "هذه الأوضاع المتردية جعلت الصحفيين أشبه بالموظفين الذين ينفذون المطلوب دون أن مناقشة أو معارضة، خوفا على سلامتهم الجسدية والنفسية".
وأكدت أن حكومة بلاده تنتهز أي فرصة لتزيد من فرض القيود على حرية التعبير والصحافة والإعلام، مستشهدة باحتجاجات الصحفيين على ترشح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسة جديدة، والتي كانت فرصة لتغليظ القيود على الصحافة.
وتابعت: "حدث الأمر ذاته أثناء تنظيم الاحتجاجات التي صاحبت تفشي جائحة كورونا، حيث زادت الاعتقالات التعسفية والحبس القسري بين الصحفيين، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى فرض رقابة ذاتية خوفا من العقاب".
ودعت سعيدة بلخيري إلى ضرورة وضع ميثاق أخلاقي جديد لمهنة الصحافة، لأن الميثاق القديم أصبح لا يتوافق مع الأوضاع الصحفية الحالية، كما تجب إزالة المعوقات التي تواجه مهنة الصحافة في الجزائر".
أغراض سياسية
على الجانب الآخر، رفض عدد كبير من السياسيين الجزائريين ما ورد في تقارير المنظمات الدولية بشأن تقييد حرية الصحافة في البلاد، مؤكدين أن "الأغراض السياسية تغلب على تلك التقارير".
من جانبه، قال الصحفي الجزائري المقيم في لندن الصادق أمين، إن بعض المنظمات الدولية المعنية بتقييم وضعية الصحافة في العالم العربي لها أغراض سياسية خفية، ما يدفعها لتوجيه سهام الانتقادات بلا موضوعية.
وأوضح أمين أن «منظمة “مراسلون بلا حدود” (مقرها باريس) تابعة للحكومة الفرنسية وتقوم بإعداد تقارير معادية للجزائر بسبب المناوشات السياسية بين البلدين والتي تعود لعهد الاستعمار (1830-1962)».
وأضاف: "هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الغربية لا تنظر إلى الجزائر إلا من زاوية المعارضة، وتمتلك من الإعلام المموَّل من دول تعادي مصالح الجزائر".
وتابع: "هذه المنظمات لا تهتم سوى بنشر الشائعات والأخبار الكاذبة بهدف إثارة الفوضى والتوترات في الدول العربية مثلما حدث في سوريا والعراق وليبيا".
بالمقابل أشار أمين إلى أن الحكومة الجزائرية يقع على عاتقها جزء كبير من هذا الأمر، خاصة بعد فشل نظام الرئيس عبدالمجيد تبون في وضع استراتيجية إعلامية تلبي تطلعات الشعب.
ومضى مفسرا: "لا يمكن اعتبار بعض النشطاء الذين تظاهروا في زمن الحجر الصحي أنهم معتقلو رأي، لا سيما أنه كان من الممكن أن يعرضوا البلاد لموجة ثانية من وباء كورونا، تكون عواقبها وخيمة على صحة المواطنين وأوضاع الاقتصاد".
وفي عام 2022، صنفت منظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية، مقرها باريس) الجزائر في المرتبة الـ134 من إجمالي 180 بلدا، وقالت إن أوضاع الصحافة فيها "مثيرة للقلق |إلى حد بعيد".
شأن داخلي
ورغم وجود شكاوى لأوضاع الصحافة وحرية التعبير في الجزائر، فإن العديد من العاملين في المهنة يعتبرون الأمر "شأنا داخليا" لا يعني الجهات والمنظمات الأجنبية.
ويقول العديد منهم إن "وضعية الصحافة والصحفيين هي قضية داخلية بالدرجة الأولى، ولا يمكن لأي جهة خارجية أن تمنح حلولاً سحرية سواء في ما تعلق بظروف العمل أو تعزيز الحريات".
وعبر عن هذا الاتجاه رئيس مجلس الصحفيين الجزائريين رياض بوخدشة، بقوله: "نأمل من المنظمات غير الحكومية في العالم أن تلعب دوراً إيجابياً وعقلانياً مبنياً على المعطيات الحقيقية، دون استغلال أوضاع الصحفيين في إثارة موضوعات هامشية".
وأكد بوخدشة أن المنظمات الدولية يجب عليها أن تقوم بإجراء حوار موسّع يقود إلى صياغة مدوّنات سلوك في جميع دول العالم، لأن الأوضاع متشابه إلى حد كبير، ولا يوجد بلد خالٍ من النقائص أو التجاوزات ويعيش تحت شمس ديمقراطية مكتملة الإشراق بلا غيوم.
ويعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته اليونسكو في ويندهوك في 3 مايو عام 1991، ويأتي الاحتفال العالمي به لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، إلى جانب المناقشة حول قضايا أخلاقيات المهنة والدفاع عن وسائل الإعلام من الاعتداءات على استقلالها.










